"أونكتاد" تدق ناقوس الخطر.. التحوّل نحو الطاقة النظيفة تعرقله التجارة
"أونكتاد" تدق ناقوس الخطر.. التحوّل نحو الطاقة النظيفة تعرقله التجارة
يوجّه أحدث تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» تحذيراً بالغ الأهمية مفاده أنّ العالم يمتلك اليوم معظم العناصر الضرورية لتسريع التحوّل نحو الطاقة المتجددة، غير أنّ التكاليف المرتفعة للتجارة والعقبات التنظيمية ما زالت تشكّل حاجزاً حقيقياً يمنع هذا التحوّل من بلوغ سرعته المطلوبة.
ويشير التقرير إلى أنّ المشهد العالمي للطاقة يشهد مفارقة لافتة؛ فبينما تتراجع أسعار الطاقة النظيفة بشكل ملحوظ وتتوسع قدرة الدول –وفي مقدمتها النامية– على الوصول إلى التقنيات الحديثة، تظل الرسوم الجمركية وإجراءات العبور غير التعريفية عقبة مركزية، وهذه التحديات تضرب تحديداً الدول التي تحتاج الانتقال الطاقي أكثر من غيرها، لكنها تُترك في مواجهة أكبر العوائق، بحسب ما ذكرت شبكة "سي إن إن"، الأحد.
زيادة في الطلب العالمي
خلال العقد الماضي، تضاعفت الاستثمارات الموجهة للطاقة المتجددة عالمياً، في حين هبطت كلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح إلى مستويات غير مسبوقة، ما جعلها منافسة –بل غالباً متفوّقة- على الوقود الأحفوري في السعر والجدوى الاقتصادية.
ورغم الزخم الذي رافق توقيع اتفاق باريس عام 2015 ودخوله حيّز التنفيذ في 2016، فإن المحاولة الحاسمة لفك الارتباط بين النمو الاقتصادي والانبعاثات لم تنجح بعد؛ فاقتصادات كبرى عديدة لا تزال غارقة في اعتمادها على الوقود الأحفوري.
ويكشف تقرير «أونكتاد» عن قفزة كبيرة في التجارة المرتبطة بالتقنيات النظيفة:
زيادة بنسبة 56% في تجارة المعدات الشمسية (2013–2022).
ارتفاع بنسبة 39% في تجارة السلع الخاصة بطاقة الرياح.
وهذه الأرقام تتفوق بوضوح على النمو المسجّل في السلع الصناعية التقليدية، والذي لم يتجاوز 23% خلال الفترة نفسها، وهو ما يعدّ دليلاً على توجّه عالمي متسارع نحو تجهيزات التحوّل الأخضر، خصوصاً مع الطفرة التي شهدتها الطاقة الشمسية بعد عام 2021.
الطاقة النظيفة أرخص
انخفضت الكلفة العالمية لإنتاج الكهرباء من مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة بنسبة 41% بين عامي 2010 و2024، كما أصبحت طاقة الرياح البرّية أرخص بنحو 53% من الكهرباء الناتجة عن الوقود الأحفوري، ما يجعل الطاقة المتجددة الخيار الاقتصادي الأكثر منطقية في العديد من الأسواق.
لكن، ورغم هذا التقدم، تلفت «أونكتاد» إلى مفارقة جديدة: الدول النامية ما زالت تدفع كلفة أعلى للوصول إلى التقنيات نفسها.
فالمعدّل الجمركي على مكوّنات الطاقة المتجددة: 7.1% في إفريقيا، مقابل 2.5% في آسيا وأوقيانوسيا، وأقل من 2% في الدول المتقدمة.
ومع إضافة الإجراءات غير التعريفية – مثل متطلبات الشهادات، والمعايير التقنية، والتأخير عند الحدود – ترتفع كلفة التجارة الإجمالية في إفريقيا إلى 7.6%.
وهذا العبء يُبطّئ قدرة القارة على الالتحاق بسباق التحوّل الطاقي، رغم كونها من أكثر المناطق عُرضة لتأثيرات تغيّر المناخ.
أما الرسوم المفروضة على المكوّنات الوسيطة المستخدمة في تصنيع التكنولوجيا النظيفة فتصل إلى 8.1% في إفريقيا و4.1% في آسيا، ما يجعل الصناعة المحلية داخل هذه الدول أقل تنافسية مقارنة بنظرائها في الشمال.
موارد وفرص ضائعة
يرى التقرير أن توسيع التكامل الإقليمي وتعزيز التعاون بين دول الجنوب يمكن أن يخفّضا جزءاً كبيراً من تكاليف الإنتاج والنقل، ويمنح الدول النامية موقعاً أفضل داخل سلاسل القيمة منخفضة الكربون.
فالعديد من هذه الدول تمتلك ثروات ضخمة من المعادن الضرورية للطاقة النظيفة، مثل الليثيوم والكوبالت والنحاس، لكنها ما تزال تعتمد على تصدير المواد الخام بدلاً من تصنيعها محلّياً ورفع قيمتها.
ومن بين أكبر 35 دولة باعثة للانبعاثات، لم يقدّم سوى 11 فقط خططاً مناخية أكثر طموحاً قبيل «كوب 30». وتشير «أونكتاد» إلى أنّ هذا التباطؤ يهدّد التقدّم العالمي ويفتح فجوة كبيرة بين قدرة الدول على التحوّل الطاقي.
التحوّل الأخضر.. فرصة أم عبء؟
يؤكد التقرير أن خفض الرسوم الجمركية، وتسهيل الحركة عبر الحدود، وتمكين الصناعات المحلية داخل الدول النامية ليست مجرد خيارات اقتصادية، بل ضرورة لتحقيق انتقال أخضر «عادل» لا يلقي بكلفة التحوّل على كاهل الدول الأكثر هشاشة.
فالرسالة الأساسية لـ«أونكتاد» واضحة: التجارة يمكن أن تكون محركاً لنظام طاقي جديد منخفض الكربون، لكنها تحتاج إلى بيئة سياسية وتجارية منسجمة مع أهداف المناخ، حتى لا يتحوّل التحوّل نفسه إلى عبء جديد على الأفقر.











